هذا التأويل الباطني الذي قاله الفلاسفة الذين يدعون الإسلام كـابن سينا وأمثاله -وكان ذلك في القرن الرابع وما قبله بقليل- كان يعد عند جميع المسلمين كفراً وردة؛ لأنه تأويلٌ معلومٌ من الدين كذبه بالضرورة.
وهنا يتضح الفرق بين تأويل العرش والكرسي والقلم، وبين تأويل الصفات، فهناك فرق بين من يؤول يد الله بالنعمة أو القدرة، وبين من يؤول العرش والكرسي والقلم واللوح والشفاعة والملكوت والجبروت، وأمثال ذلك من الكلمات القرآنية؛ لأن ما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى يريد به أصحابه التنزيه، ويقولون: نحن لا نريد أن نشبه الله بشيء من خلقه، ولدينا قرائن قائمة -كما يزعمون - تمنعنا من أن نفهم أن المقصود هو المعنى الظاهر، وهذه القرائن هي أنه تعالى ليس كمثله شيء، ونحو ذلك؛ فلأجل ذلك كانت هذه التأويلات غير مكفرة في ذاتها، إنما يكفر صاحبها إذا كان في الباطن يعتقد أن الله لا يوصف بشيء، ولا يقصد تنزيه الله.
لكن الفلاسفة يقال لهم: لماذا تؤولون العرش واللوح والقلم والكرسي، وهذه مخلوقات من مخلوقات الله سبحانه وتعالى؟ فما هي القرائن؟ وما هو الدليل الذي سوغ لكم أن تؤولوا هذه المخلوقات فتصفوها بمعان أخرى؟
إذاً: لا يسوغ التأويل هنا مطلقاً، ولهذا يكفر كل من أول هذه الأمور، فهذا النوع يدخل في النوع المكفر من أنواع التأويل، وقد ذكرنا فيما سبق أنواع التأويل، وما يكفر منها وما لا يكفر.
وأما من يؤول بعض الصفات بغرض التنزيه، ويقول: هذه أمور غيبية تعجز عن إدراكها على الأفهام، وقد تخطئ فيها العقول، فقد يلتمس فيها التسويغ أو التأويل، فلا تكون مخرجة من الملة لذاتها، إلا إذا اقترن بها إنكار أو نفاق أو زندقة.
لكن من يؤول الصلاة بأنها أسماء الأئمة الخمسة -كـالنصيرية- فإنه يكفر بذلك؛ فإن المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم يصلون الصلوات الخمس، فإذا جاء شخص وأولها، فلا يمكن أن يكون له عذر بأي حال من الأحوال، فليس هناك شيء يصعب فهمه، وهذا شيء واقع ومشاهد، فتأويل الصلاة والصيام والزكاة والحج، وتأويل العرش والكرسي والقلم والملكوت والجبروت، وأمثالها من الكلمات القرآنية.. هذا كله من جنس تأويلات الباطنية والفلاسفة التي يحكم على صاحبها بالكفر.